مركز المعلوماتية القانونية
صفحة الاستقبال |
للاتصال |
العلاقات الدولية |
إحفظنا |
بريد إلكتروني
ع
|En
|Fr





  وقائع المؤتمر السنوي الأول:صلاحيات رئيس الجمهورية بين النص الدستوري والممارسة السياسية

الفقرة الخامسة: مداخلة د. خالد الخير
طبيعة النظام السياسي في لبنان

هي محاولة متواضعة لاجراء مقارنة تقيمية لصيغة النظام السياسي في لبنان التي تارةً كانت محل قبول، وتارة اخرى محل رفض وفقاً لتوافق هذه الصيغة وهذا النظام مع مصلحة هذا الفريق او ذاك، وذلك بهدف تحديد مدى ملاءمتها مع المبادئ العامة والنصوص الدستورية، ومدى متانة هذه الصيغة وهذا النظام في مواجهة الأزمات السياسية التي واجهت لبنان شعباً ودولة ومؤسسات، وهذه أزمات يمكن أن تعترض مسيرة أي شعب ونظام من فترة لأخرى، ومع ما يترتب عنها من تغيّر في اللعبة السياسية، وما يرافقها من صراعات ترخي بظلالها نتائج سلبية وأحياناً خطيرة على سير عمل وبنية مؤسسات النظام السياسي إذا لم تتوفر النخبة في المجتمع التي ترصد المتغيرات ومقتضيات التطور لتقديم الحلول والطروحات التي ترافق سنن التطور وملائمة متطلبات العصر.


ومما لا شك فيه، فإن هذا وضع لبنان وحالة نظامه السياسي بسبب تركيبة لبنان السياسية المعقدة والتي تقوم على جملة من التناقضات والإختلاف بين ما جاء في نصوص دستوره وما كرسه الميثاق الوطني المعروف بميثاق 1943، وما درجت عليه الممارسة القائمة على جملة من التناقضات المنبعثة والمرافقة للتطور السياسي والإجتماعي للبنان، والذي خضع دائماً لتداخل وتشابك مجموعة من العوامل التي كانت من جهة أولى تمثل علاقات الحركة والتفاعل بين مختلف الطوائف اللبنانية التي تعيش على أرض لبنان ،ومن جهة أخرى تأثير الضغوطات التي تمارسها الظروف والأوضاع الإقليمية والدولية، سواء بواسطة الطوائف لمصلحتها، أو لمصلحة إحداها ضد الأخرى، وعندما تفرض العوامل الإقليمية صيغة معينة لطبيعة العلاقات الطوائفية ،فإن العلاقات والروابط الوثيقة التي تقيمها بعض الطوائف مع الخارج تعرض النظام السياسي والاجتماعي القائم للخطر،وهكذا تصبح الأرض مناسبة ومهيأة لظهور توتر معين يمكن له أن يوفر الظروف الملائمة للانفجار والتشظي تحت شكل متعارف عليه، نسميه عادةً الحرب الاهلية.

إن هذا التوتر يضفي على المسألة اللبنانية ملامح إقليمية ظاهرة، أو يعطيها طابعاً دولياً متزامناً في نفس الوقت، أو أن أحدهما يتبع الآخر.

وتسهيلاً لموضوعنا، فإننا نقسمه إلى عنوانين اثنين:

- اولاً: النظام السياسي في لبنان بظل دستور عام 1926 والميثاق الوطني المعروف بميثاق 1943.

- ثانياً: النظام السياسي في لبنان في ظل التعديلات التي طرأت على الدستور عام 1990، (وثيقة الوفاق الوطني اواتفاق الطائف).


مما لا شك فيه أن الدستور اللبناني كان منحة أعطيت للبنان من الدولة المنتدبة كما أعلن حينها المفوض السامي الفرنسي دي جوفنال وهو مستمد من دستور الجمهورية الثالثة في فرنسا 1875، حيث مهدت سلطة الانتداب لوضع الدستور، بعرض مسوداته على الشخصيات السياسية اللبنانية من مختلف الطوائف، على شكل أسئلة متعلقة بتصور هذه الشخصيات لتشكيل الحكم وتكوين البرلمان، ومسؤولية رئيس الجمهورية والوزراء واعتماد قاعدة الطائفية في توزيع المقاعد النيابية، وطريقة الانتخاب،وتحديد عدد النواب ،ومدة ولايتهم وكيفية اختيار أعضاء مجلس الشيوخ. ووضع الدستور في غفلة من النواب، ومن دون تشكيل لجنة تأسيسية، بدليل ما حفظته ذاكرة بعض هؤلاء وبينهم الأمير خالد شهاب الذي نقل عنه قوله :"من وضع الدستور؟ لا أعرف،كتبوه بالفرنسية، وترجموه الى العربية".


بالطبع هذا الدستور كان موضع جدال كبير بين اللبنانيين قبيل وضعه وإقراره، ولكنه مع الميثاق الوطني عام 1943، أسس لنظام سياسي استمر بالرغم من كل الثغرات والشوائب التي اعترته على كل الصعد لغاية اوآخر الثمانينات مع التعديلات الدستورية في العام 1990. لكن هذا لا يعني أبداً أن دستور 1926 لم يضع حداً لانقسامات اللبنانيين، وان استمر البعض منهم خارج هذا التوافق على القبول بقيام دولة لبنان وعلى الدستور، وذلك حتى اتفاق الزعيمين الراحيلين، الرئيس بشاره الخوري والرئيس رياض الصلح على الميثاق الوطني عام 1943، الذي شكل نقطة التقاء وتوافق حول الامور الخلافية بين اللبنانين. ونذكر أن المشترع أو المنتدب لم يراع في وضع الدستور أوضاع لبنان التي تختلف بشكل كلي عما كانت عليه الأحوال والظروف على كافة الصعد في فرنسا عهد الجمهورية الثالثة.


اولاً: صيغة الدستور والنظام في لبنان وفقاً لدستور 1926

وفقاً لدستور 1926 الذي وضع في ظل ظروف دولية واقليمية معقدة ومتطورة (ليس اقلها فرض نظام الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا عملاً بمقررات مؤتمر الصلح لعام 1919 واحكام صك عصبة الامم ومؤتمر سان ريمون للدول الحليفة لعام 1920 وصك الانتداب)، فإن النظام الدستوري اللبناني الذي طبق لغاية العام 1990 هو نظام جمهوري، ديمقراطي، برلماني ونيابي. هذا من حيث النص ، إلا أن واقع ممارسة النظام السياسي في لبنان وما رافق ذلك من أحداث وأزمات بيّن بوضوح أن للنظام ركائز أخرى منها الميثاق الوطني 1943، وكذلك الصيغة الطائفية التي ظهرت مع عهد القائمقاميتين والتي تكرست بموجب دستور 1926 والميثاق الوطني ووثيقة الوفاق الوطني (التعديلات الدستورية في العام 1989)، والتي أصبحت جوهر الممارسة السياسية وعمل المؤسسات الدستورية في لبنان. هذا بالإضافة إلى ما أكدته الفقرة "ي" من مقدمة الدستور اللبناني "لا شرعية لاي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"مما أضاف ركيزة أساسية في بنية النظام في اللبناني، ألا وهي صيغة التوافق والتفاهم على ادارة مؤسسات الدولة السياسية والدستورية، وان كانت لا تأتلف مع النصوص الدستورية.

لذلك تحول النظام الدستوري في لبنان إلى مزيج وخليط من الأنظمة، منها النظام الجمهوري ، النيابي ، البرلماني ، الطائفي والتوافقي.


1- إنه نظام جمهوري:

لأن رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية اذ نصت المادة 101 من دستور 1926 على أنه: "ابتدءاً من أول أيلول سنة 1926 تدعى دولة لبنان الكبير الجمهورية اللبنانية ، دون أي تعديل أو تعديل آخر"( ). كما اكدت أكّدت الفقرة "ج" من مقدمة الدستور اللبناني بعد التعديل الاخير:"إن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد ، وعلى العدالة الاجتماعية، والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل "، وبهذا يكون كل من دستور 1926 و 1990 قد أخذ بالنظام الجمهوري.


2- إنه نظام نيابي:

لأن النظام النيابي يقوم على أربعة مبادئ أساسية:

- الأول : بوجود هيئة نيابية منتخبة

- الثاني : تحديد مدة العضوية في الندوة البرلمانية.

- الثالث: تمثل النائب المنتخب للأمة بأسرها .

- الرابع : أن تكون الهيئة النيابية المنتخبة مستقلة عن الناخبين.


أخذ الدستور اللبناني بهذه الأركان الأربعة:

- بالنسبة للمبدأ الأول: أكدت المادة 16 من الدستور اللبناني على أن تتولى السلطة المشترعة هيئة واحدة هي مجلس النواب، والمادة 24 منه أكدت على أن مجلس النواب ينشأ بالانتخاب إذ تنص على: " يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفاقاً لقوانين الانتخاب المرعية الإجراء".

- المبدأ الثاني: في تحديد مدة العضوية في المجلس النيابي، حيث حدد قانون الانتخاب الصادر سنة1960 ، المعدل بالقانون رقم 51/1991 والمعدل بالقانون رقم 154/1992 ، في مادته الأولى : "يتألف مجلس النواب من ماية وثمانية وعشرين عضواً وتكون مدة ولايتهم أربع سنوات ".

- المبدأ الثالث: تمثيل النائب المنتخب للأمة بأسرها ، ولقد أخذ الدستور اللبناني بهذا المبدأ حيث نصت المادة 27 منه على أن : "عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء ولا يجوز أن ترتبط وكالته بقيد أو بشرط من قِبَل ناخبيه".

- المبدأ الرابع: استقلال الهيئة النيابية عن الناخبين: يتمثل هذا بأن يستقل البرلمان بمباشرة وظائفه التشريعية والرقابية طيلة فترة ولايته الدستورية عن الناخبين.وكذلك بأن يستقل النواب بإرادتهم عن إرادة ناخبيهم طوال مدة نيابتهم.وايضاً باستقلال أعضاء المجلس، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 27 من الدستور: "لا يجوز أن تربط وكالة عضو مجلس النواب بقيد أو شرط من قبيل منتخبيه".


3- إنه نظام برلماني:

إن النظام الدستوري اللبناني نظاماً برلمانياً متميزاً ومن الصعوبة تصنيفه ضمن إطار التصنيفات التقليدية للنظم الدستورية، وهذا بالطبع مرده الى مراعاة بنية المجتمع اللبناني وتركيبته المعقدة لجهة حقوق الطوائف والمذاهب.


وهذا النظام يقوم على ركيزتين:

- تتمثل الأولى : في ثنائية السلطة التنفيذية، أي تجسيدها بعضوين مختلفين: عضو مستقل وهو"رئيس الجمهورية".وعضوجماعي وهو "الحكومة" التي يرتبط بقاؤها بالسلطة بتمتعها بثقة البرلمان. الاول غير مسؤول، والثاني مسؤول مع وزرائه امام البرلمان.

- تتمثل الثانية: في مبدأ الفصل والتوازن والتعاون بين كل من السلتطين التشريعية والتنفيذية.


4- الصبغة الطائفية:

نشأ النظام الطائفي في العام 1843 مع نظام القائمقاميتين في جبل لبنان: قانمقامية شمالية يتزعمها قائمقام مسيحي لانها ذات اغلبية مسيحية، وقائمقامية جنوبية يترأسها قائمقام درزي، الى جانب ذلك انشئ مجلس من ستة اعضاء يدعمون القائمقام وتم اختيارهم على اساس طائفي. وبالتالي نشأ النظام الطائفي عبر القول ان التمثيل الشعبي يجب ان ينبثق عن التمثيل الطائفي، وقد اتاح هذا النظام اقامة دويلات ضمن الدولة على اسس طائفية، واسس فيما بعد لما شاهدناه من ارهاصات وازمات تمثلت في فرز طائفي ومناطقي وكان اخطرها ما جرى خلال الحرب الاهلية اللبنانية في العام 1975، وهكذا تكرست الطائفية منذ عهد القائمقامتين مروراً بنظام المتصرفية والانتداب الفرنسي للبنان، وتجذرهذا النظام، وتكرس تحديداً في العام 1943مع الاستقلال، وصولاً الى التعديل الاخير في العام 1989( اتفاق الطائف) الذي جاء ليكرس هذه الطائفية، لا سيما على مستوى الرئاسات الثلاث، وتحولت الى اسس ومبادئ في عمل المؤسسات السياسية والدستورية، وعمل المؤسسات والمرافق العامة، ودخلت الى نسيج العلاقات الاجتماعية والانسانية والاقتصادية بين اللبنانين، فكانت علة العلل في لبنان وما زالت بالرغم مما سببته من ازمات وحروب وعوامل هدم وتهميش لبنية الدولة التي نطمح الى تحقيقها. والغاء الطائفية في لبنان كان حلم وامل في فكر اللجنة التي ناقشت مواد دستور 1926، وفي فكر واضعي الميثاق الوطني في العام 1943، وكذلك لدى واضعي التعديلات الدستورية في الطائف العام 1989، لكن للأسف فالطائفية لم تلغى من النصوص وتتجذر اكثر في النفوس، وسيظل الغاؤها حلماً بعيد المنال وصعب التحقيق اذا لم نتوصل الى اصلاحات في القانون الانتخابي، وقوانين اخرى كثيرة.


5- كيف كانت صيغة نظام ما قبل التعديلات الأخيرة؟

كما سبق ورأينا كرّس الدستور اللبناني الصادر عام 1926 مع تعديلاته الست الأولى، وأنشأ نظام ديمقراطي، جمهوري، نيابي، برلماني، وأدخلت السلطة المنتدبة الصيغة الطائفية التي لم تكن وليدة المرحلة بل كانت وليدة عهد القائمقاميتين، هذا النظام كان يقوم على الارادة الشعبية عن طريق انتخاب ممثلين عنه لسن القوانين بإسمه، تنبعث السلطة الاجرائية منه، رئيس وحكومة، ولا يترتب على رئيس الجمهورية أي مسؤولية سياسية الا في حالات استثنائية كالخيانة العظمى، وخرق الدستور، في حين تنحصر المسؤولية السياسية أمام المجلس النيابي بالوزراء رئيساً وأعضاء على أن يسود ويحكم علاقة المجلس والحكومة مبدأن متلازمان: التعاون والتوازن يقابله الفصل بين السلطات، كل ذلك تحقيقاً وتأميناً لحقوق المواطنين والحفاظ على حرياتهم من خلال قيود وحدود لممارسة السلطات القائمة.ولكن بسبب الصيغة الطائفية الملازمة للحياة السياسية في لبنان وبسبب تعدد الطوائف، وما تعرضت له عبر التاريخ، والنتائج التي كرستها في العلاقات الاجتماعية والسياسية، لا سيما في القرن التاسع عشر، حيث منعت بناء نظاماً بعيداً عن القيود الطائفية ،فشكلت بنياناً طائفياً اعتمده النظام الجديد لدرجة أنه تحول الى قاعدة في العمل السياسي وعمل المؤسسات السياسية ،فكان التقليد على أن يكون رئيس الجمهورية من الطائفة المارونية، ورئيس مجلس النواب من الطائفة الشيعية، ورئيس مجلس الوزراء من الطائفة السنية الخ.... وهذا ما جعل استقرار الحياة السياسية في لبنان مرتبطاً بالتوازن الطائفي، مما خلق وضعاً سمح لبعض رجال السياسة والقانون باعتبار لبنان دولة اتحادية جامعة بين طوائفه المتألقة وقائمة على التعايش السلمي فيما بينها.


والملاحظ أن توق اللبنانيين الى نيل الاستقلال دفعهم الى الا سراع في الاتفاق على التخلص من الانتداب دون البحث والتعمق فيما يريدونه من نظام سياسي، فكان التعديل الدستوري الذي أزال كل إشارة الى الانتداب، دون التصدي لمضمون الدستور وجعله موافقاً لبيئة الدولة الجديدة ومنسجماً مع البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وخاصة ما يتعلق بتوزيع الصلاحيات بين رئيس الجمهورية والحكومة، وهذا ما ترك ثغرة كبيرة في نظامنا السياسي، تسببت بالكثير من الاشكالات رغم الجهود التي بذلت لاحقاً لسدها عبر الممارسة التي خلقت أعرافاً دستورية فرغت بعض مواد الدستور من محتواها، وكانت سبباً مباشراً لولادة الميثاق الوطني للعام 1943، الذي حقق التوافق بين الطوائف وانطلقت الدولة وسيّرت مؤسساتها وفقاً لمضمونه وما زال.


وهكذا يتضح ان التعامل بين الرؤساء الثلاثة الذي عرف "بالترويكا"، وبلسان احدهم، (الترويكا" في الاصل لفظة روسية تطلق على العربة التي تجرها ثلاثة جياد)، كان يجري خارج نطاق المؤسسات ويتناقض مع مبدأ الفصل بين السلطات الركن الاساسي للنظام البرلماني المنصوص عليه في مقدمة الدستور اللبناني، فالرؤساء الثلاثة اختزلوا السلطات باشخاصهم، فتعطل دور المجلس النيابي في الرقابة على الحكومة وفي جدية العمل التشريعي، واضحى من العسير اقرار اي قانون، الا اذا كانت وراءه مصلحة خاصة او تأمنت مسبقاً الحلول والمخارج من قبل الرؤساء الثلاثة، وتحول معظم الوزراء ان لم يكن جميعهم الى مجرد موظفين لدى رئيس الحكومة، وكذلك تنازلت رئاسة الجمهورية عن دورها الحكم بين السلطات ومرجعية اخيرة لها لتلعب دور الفريق او المناصر او المحرض على هذا العمل او ذاك.


وإليكم بعض النماذج:

- نصت المادة 17 من دستور 1926، أن السلطة الاجرائية مناطة برئيس الجمهورية يتولاها بمعاونة الوزراء وفقاً لأحكام الدستور. مما يدفع بالبعض وللوهلة الأولى إلى القول بأن نظامنا السياسي السابق كان نظاماً رئاسياً يضع في يد رئيس الجمهورية صلاحيات تشابه صلاحيات ؤئيس جمهورية الولايات المتحدة الأميركية. إلا أن المادة 54 التي نصت، أن مقررات رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزراء المختصون ما خلا تولية الوزراء وإقالتهم قانوناً، والعرف السياسي مع الممارسة فرغا النص من محتواه بحيث أن مجلس الوزراء هو الذي كان يتولى السلطة الاجرائية التي يرأسها رئيس الجمهورية. فلم يكن لرئيس الجمهورية أية سلطة ينفرد فيها إلا سلطة تعيين الوزراء ورئيسهم وإقالتهم. وكل الصلاحيات الأخرى الممنوحة إليه في الدستور كانت مشتركة مع غيره من الوزراء المختصين ورئيس الوزراء.

- المادة 52 من الدستور التي خولت رئيس الجهمورية حق تولي المفاوضات وعقد المعاهدات الدولية تعطي الانطباع بأن رئيس الجمهورية مؤهل بحكم الدستور لعقد المفاوضات منفرداً على أن تخضع لموافقة مجلس النواب عندما تسمح بذلك مصلحة البلاد. إلا أن التفسير العلمي والعملي لهذه المادة؛ أن رئيس الجمهورية بحكم كونه رئيساً للبلاد ورمز البلاد في العلاقات الخارجية يجري المفاوضات مع دول العالم ويعقد اتفاقات بموافقة مجلس الوزراء وفي معظم الأحيان بواسطة وزير الخارجية، وهذا ما أكده الدكتور ادمون رباط في كتابه "الوسيط في القانون الدستوري اللبناني ص/696/".

- أما الصلاحية الأساسية لرئيس الجمهورية والتي تشكل وفقاً لأحكام الدستور السابق الركن الاساس في نظامنا هي التي لرئيس الجمهورية في تعيين الوزراء واقالتهم، وفقاً لنص المادة 54 من الدستور. فمن العودة إلى الممارسة حول هذه الصلاحيات، يتبين لنا أن رؤساء الجمهورية لم يعمدوا إلى تسمية حكوماتهم إلا بعد استشارات نيابية لم يلحظها الدستور السابق في أي من مواده. بالإضافة إلى ذلك أن رئيس الجمهورية كان يصدر مرسوماً بتسمية رئيس الحكومة الذي، بدوره، كان يجري استشارات نيابية لتشكيل حكومته ويعود إلى رئيس الجمهورية للإتفاق معه على شكل الحكومة ويصدر وإياه مرسوم تشكيل الحكومة، وهو ما يخالف صراحة أحكام الدستور التي تعطي هذا الحق إلى رئيس الجمهورية لوحده.

- في موضوع الإقالة فالأمر لا يقل وضوحاً حيث إن الصلاحية الممنوحة لرئيس الجمهورية بإقالة الوزارة والوزراء لم تمارس مرة في تاريخ لبنان من قبل رئيس الجمهورية، وقد تشكل حادثة قبول استقالة حكومة الرئيس سامي الصلح في عهد الرئيس بشارة الخوري نوعاً من الإقالة إذ أن رئيس الجمهورية أصدر مرسوماً بقبول استقالة حكومة الرئيس سامي الصلح بعد أن أعلن استقالته أمام المجلس النيابي دون إبلاغها إلى رئيس الجمهورية رسمياً. وقد عمد رئيس الجمهورية إلى استعجال الأمر خوفاً من أن يبدل الرئيس سامي الصلح رأيه، فأصدر مرسوماً بقبول الإستقالة. أما الإقالة الوحيدة التي سجلتها الممارسة الدستورية فهي إقالة الوزير هنري اده إثر خلافه مع الرئيس سليمان فرنجية، والتي صدرت بمرسوم رفض رئيس الجمهورية أن يحمل توقيعه لوحده فوقعه مع رئيس الحكومة آنذاك الرئيس صائب سلام. ولا يستطيع أحد الزعم أن خلافات حادة لم تقع بين رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات أدت بالبلاد إلى مآزق سياسية خطيرة كان يمكن حلها بممارسة رئيس الجمهورية صلاحية الاقالة، إلا أنه لم يمارس أي رئيس للجمهورية هذا الحق. ونذكر فقط بالأزمة الوزارية سنة 1969 قبل اتفاق القاهرة وبالأزمة الوزارية في نهاية عهد الرئيس فرنجية وبالأزمة الوزارية في عهد الرئيس الجميل للتأكيد على هذا الأمر. أما لماذا لم يستعمل رئيس الجمهورية هذه الصلاحية، فلأن تركيبة البلاد السياسية والطائفية لم تكن تسمح بتفجير العلاقة الدستورية المنطوية على التوازن الطائفي. بل كانت تدفع بتفادي المواجهة الكبيرة، وتحمل أزمات تعتبر أقل خطراً من أزمة ممارسة صلاحية الإقالة.


بالخلاصة، إن أحكام الدستور السابق كانت تتناقض في بعض الأمور الأساسية مع العرف والتقليد والممارسة الدستورية، وهو ما جعل دستورنا غير عملي، غير مطبق، وهو ما حول الممارسة السياسية إلى سلسلة أزمات متلاحقة يسهل الدخول فيها ويصعب الخروج منها. فالواقع الدستوري السابق المتضمن النصوص والعرف شكل مشروع اختلاف مستمر وموضوع فتنة محتمل اندلاعها بصورة دائمة. هذا بالإضافة إلى أن هذا الواقع قد أدى إلى مساومات بين من في يدهم السلطة، يتفقون على مصالحهم ولو على حساب الدستور والقانون وحقوق المواطنين وحرياتهم. مما أفسد الجو السياسي وجعل الممارسة السياسية ضرباً من ضروب الاستئثار بالسلطة والتناحر وتأمين المكاسب على حساب الدستور والقانون، وما سهل هذه الممارسات انعدام الرقابة بحيث بقي نص المادة 80 من الدستور المتعلقة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء حبراً على ورق، لم يرغب أي عهد بتحريكه ليخضع ولو معنوياً لرقابته ومحاسبته القانونية، كما أن المجلس النيابي المنتخب بموجب قوانين كانت تفصل لمصلحة كل رئيس عهد وحكوماته، والمناط به بموجب سلطاته وصلاحياته الدستورية إجراء المراقبة والمحاسبة، قد تحول بحكم الممارسة إلى ساحة تنظير ومواجهات عديمة الفائدة، وهو ما حال دون اسقاطه لأي حكومة بحكم صلاحياته. هذا مع العلم أن الحكومات المتعاقبة كانت موضوع شكاوى من الناس والمجالس المنبثقة عن إرادتهم. بل أكثر من ذلك، تحول المجلس النيابي إجمالاً إلى مطية طيعة في يد السلطة الإجرائية، بحيث أصبح قطعة ديكور في نظامنا. فكانت الحكومات أو العهود تسلب المجالس النيابية صلاحياتها التشريعية، بحجة الاصلاح والتطوير وبموجب الصلاحيات الاستثنائية التي كانت تستحصل عليها منه. مما يعني أن القرارات التشريعية الكبيرة القادرة على التغيير، كانت بمجملها مراسيم اشتراعية وليس قوانين مجلسية. وهذا ما ضرب مبدأ فصل السلطات، بحيث انحصرت كل الصلاحيات في يد السلطة الاجرائية أي رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، وهو مبدأ قام أصلاً للحؤول دون تمركز سلطان الدولة في يد شخص واحد، أو هيئة واحدة خشية تهديدها الحريات العامة، والحقوق الفردية، والتعدي عليها.

هذه صورة مقتضبة عن بعض جوانب صيغة النظام السابق للتعديلات الأخيرة، وانعكاساتها الخطيرة على الحياة السياسية والوطنية، ان لجهة مخالفة أحكام الدستور، والالتفاف عليها لتعطيل النظام، وإن لجهة الأزمات المتعددة التي كان يخلقها مع نتائجها السلبية على صعيد الوطن ووحدة أبنائه وعيشهم المشترك. إلا أن ما ساهم بصورة أساسية في إظهار عيوب نظامنا السياسي السابق، هو الصيغة الطائفية التي قام عليها هذا النظام، والتي اعتمدت مبدئياً وبصورة مؤقتة. وعدت حكومة الاستقلال، آنذاك بالسعي للتخلص منها من خلال يقظة وطنية شاملة. فبدلاً من أن تتوجه الممارسة السياسية نحو هذا الهدف، كرست عكس هذا الاتجاه وعززت انتماء المواطنين إلى طوائفهم، لا سيما وأن ممثلي الطوائف في المؤسسات، من أعلى الهرم إلى أسفله، احتموا وراء طوائفهم ومذاهبهم لحماية مخالفاتهم الدستورية، وتحقيق مكاسب شخصية أو فئوية على حساب الوطن. فأصبح التصدي لرئيس الجمهورية وكأنه اعتداء على الطائفة المارونية، وتحولت محاسبة رئيس الوزراء إلى اسقاط دور الطائفة السنية، كما وأن محاولة الحد من نفوذ رئيس المجلس النيابي تحول حرماناً للطائفة الشيعية، وهكذا دواليك.

كل هذه العوامل بالإضافة إلى تجمع عناصر اقليمية ودولية، أدت إلى انفجار الصيغة الدستورية والسياسية وأودت بالبلاد إلى الأحداث الأليمة التي أطاحت بالنظام السياسي، وفرضت حاجة التغيير نحو نظام آخر. وهو ما حصل في اجتماع الطائف، وما تكرس في الإصلاحات الدستورية الأخيرة.

والسؤال، هل تمكنت هذه التعديلات من بناء النظام الأفضل؟



ثانياً: في التعديلات الدستورية الجديدة وظروف اقرارها

لا شك أن ظروف نشأة اتفاق الطائف لا تزال ماثلة في أذهاننا: من حكومتين تتقاسمان الدولة، من فراغ في سدة رئاسة الجمهورية رمز وحدة الدولة، إلى إعلان ما سمي حرب التحرير طيلة ستة أشهر، من مساعي عربية ودولية ابتدأت في تونس مروراً بالكويت منشأة اللجنة الثلاثية العربية العليا لمتابعة قضية لبنان، وايجاد حل لها، انتهاء بالقمة العربية في الدار البيضاء، التي اعتبرت أن أزمة لبنان هي مسؤولية عربية، من مشروع حل وضعه وزراء خارجية اللجنة العربية، بدعم اميركي واوروبي واقليمي، واجتمع النواب اللبنانيين في مدينة الطائف( في المملكة العربية السعودية) للسعي إلى اتفاق وطني. وبعد مناقشات ومفاوضات طويلة وعسيرة، توصّل النواب الى الاتفاق على وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف).

إن وثيقة الطائف أصبحت عبر التعديلات الدستورية، ميثاقاً وطنياً جديداً إلى جانب ما سبقها من دستور 1926، وميثاق العام 1943، ولكن القيمة الفعلية لهذه الوثيقة مرتبطة بالإصلاحات الدستورية التي أقرتها بهدف إصلاح المؤسسات الدستورية في لبنان، وأهم هذه التعديلات ما اتصل منها برئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب، وبإنشاء مؤسسات جديدة كان أهمها المجلس الدستوري، ولكن نتيجة هذه التعديلات الدستورية للعام 1990، هل شكلّ النظام السياسي اللبناني نموذجاً للنظام البرلماني؟


1- ما يتعلق بثنائية السلطة التنفيذية أي رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء:

إن مجرد المقارنة بين نص المادة 17 من دستور 1926: "تناط السلطة الإجرائية برئيس الجمهورية وهو يتولاها بمعاونة الوزراء وفاقاً لأحكام الدستور"، ونصّ المادة 17 المعدلة بالقانون الدستور رقم 18/1990: "تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء، وهو يتولاها وفاقاً لأحكام هذا الدستور"، يتبين لنا بوضوح أنها ركزت السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً، فتكون نقلت السلطة الإجرائية من رئيس الجمهورية، إلى مؤسسة مجلس الوزراء، كما انها أعادت النظام السياسي اللبناني إلى كنف الأنظمة البرلمانية، سيما وأن الكثير من الصلاحيات التي كانت من اختصاص رئيس الجمهورية، ركزتها هذه التعديلات الدستورية وأخضعتها لموافقة مؤسسة مجلس الوزراء.

وهناك بعض الأمثلة:

‌أ- صلاحيات رئيس الجمهورية في اقتراح القوانين : هذه الصلاحية كانت سابقاً منوطة بكل من مجلس النواب ورئيس الجمهورية، ولكنها بموجب التعديل الدستوري بالقانون رقم 18/1990 أصبحت منوطة بمجلس النواب وبمجلس الوزراء مجتمعاً وفقاً لنص المادة 18من الدستور.

‌ب- صلاحية رئيس الجمهورية منفرداً بدعوة مجلس النواب إلى عقود استثنائية، أصبحت هذه الصلاحية محكومة بإتفاقه مع رئيس الحكومة وفقاً للتعديلات الدستورية الجديدة الصادرة بالقانون الدستوري 18/1990.

‌ج- بالرغم من إناطة المادة 49 من الدستور الجديد برئيس الجمهورية من دور ريادي، إلا أنها أخضعت القوات المسلحة لسلطة مجلس الوزراء، حيث جاء في الفقرة الأولى من هذه المادة "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه وفقاً لاحكام الدستور،يرئس المجلس الاعلى للدفاع، وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء"

‌د- الحرص على جعل رئيس الجمهورية بموقع الحكم، إذ أعطاه الحق بترؤس جلسات مجلس الوزراء عندما يشاء ولكن منعه من المشاركة في التصويت على مقررات مجلس الوزراء وفقاً للفقرة الأولى من المادة 53، التي نصت "يترأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراءعندما يشاء دون ان يشارك في التصويت". ولكن بالمقابل لا بد من الاعتراف ما لترأس رئيس الجمهورية جلسات مجلس الوزراء دون الحق بالتصويت، من تأثير معنوي وأحياناً مادي على التأثير في نتيجة التصويت. كذلك له أن يصدر المراسيم ويطلب نشرها، وله الحق في الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار يتخذه هذا المجلس خلال 15 يوماً من تاريخ ايداعه رئاسة الجمهورية. وإذا أصر المجلس على القرار المتخذ أو إذا انقضت المهلة دون إصدار المرسوم أو إعادته، اعتُبر المرسوم أو القرار نافذاً حكماً ووجب نشره.

‌ه- يصدر القوانين وفق المهل المحددة في الدستور، ويطلب نشرها بعد إقرارها من مجلس النواب، وله الحق بعد اطلاع مجلس الوزراء، طلب إعادة النظر في القوانين ضمن المهل المحددة في الدستور ووفقاً لأحكامه. وفي حال انقضاء المهل المحددة دون إصدارها أو إعادتها اعتُبرت القوانين نافذة حكماً ووجب نشرها.

‌و- في موضوع تسميته رئيس الحكومة، فلقد تكرس العرف الذي كان سائداً قبل تعديل 1990، لكن المشرع قيد حرية رئيس الجمهورية بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، وبأن يطلع هذا الاخير رسمياً على نتائج الاستشارات التي يجريها رئيس الجمهورية.

‌ز- حل مجلس النواب الذي كان من صلاحية رئيس الجمهورية بموافقة رئيس الوزراء. لكن بعد التعديلات الدستورية للعام 1990،عدلت هذه الصلاحية بحيث اقتصر حق رئيس الجمهورية على الطلب من مجلس الوزراء حل المجلس النيابي، إذا ما توفرت الأسباب التي حددها الدستور لهذه الغاية، وهما المادتين، 65 فقرتها الرابعة، التي نصت: "حل مجلس النواب بطلب من رئيس الجمهورية اذا امتنع مجلس النواب، لغير اسباب قاهرة، عن الاجتماع طوال عقد عادي او طوال عقدين استثنائيين متواليين لا تقل مدة كل منهما عن الشهر أو في حال رده الموازنة برمتها بقصد شل يد الحكومة عن العمل ولا يجوز ممارسة هذا الحق مرة ثانية للأسباب نفسها التي دعت الى حل المجلس في المرة الاولى" وكذلك نص المادة 77 من الدستور المعدلة:" يمكن أيضاً إعادة النظر في الدستور بناء على طلب مجلس النواب. فيجري الامر حينئذ عل الوجه التالي يحق لمجلس النواب في خلال عقد عادي وبناء على اقتراح عشرة من أعضائه على الأقل أن يبدي اقتراحه بأكثرية الثلثين من مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانونا بإعادة النظر في الدستور. على أن المواد والمسائل التي يتناولها الاقتراح يجب تحديدها وذكرها بصورة واضحة، فيبلغ رئيس المجلس ذلك الاقتراح إلى الحكومة طالباً إليها أن تضع مشروع قانون في شأنه، فإذا وافقت الحكومة المجلس على اقتراحه بأكثرية الثلثين وجب عليها أن تضع مشروع التعديل وتطرحه على المجلس خلال أربعة أشهر وإذا لم توافق فعليها أن تعيد القرار إلى المجلس ليدرسه ثانية، فإذا أصر المجلس عليه بأكثرية ثلاثة أرباع مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً، فلرئيس الجمهورية حينئذ أما إجابة المجلس إلى رغبته أو الطلب من مجلس الوزراء حله وإجراء انتخابات جديدة في خلال ثلاثة اشهر، فإذا أصر المجلس الجديد على وجوب التعديل وجب على الحكومة الانصياع وطرح مشروع التعديل في مدة أربعة اشهر".


2- صلاحيات الحكومة:

بعد تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية بموجب التعديلات الدستورية للعام 1990، كان في المقابل تنامي لصلاحيات الرأس الآخر في السلطة التنفيذية، رئيس مجلس الوزراء ولمجلس الوزراء نفسه، ونشير إلى أن دستور 1926 لم يتضمن تنظيماً لمجلس الوزراء ولا لأعماله، ولم يذكر رئيس هذا المجلس وان بشكل عابر، في حين اعتبرت وثيقة الطائف أن رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة، يمثلها ويتكلم بإسمها، ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء.

كما جعلت هذه الوثيقة من مجلس الوزراء مؤسسة بحد ذاتها، وخصّت موقع رئيسه وحددت له صلاحيات تناسب والتبعات الملقاة على عاتقه بموجب المادة 64 من الدستور. مما لا شك فيه أن بعض هذه الصلاحيات كانت تمارس بموجب العرف، وبعضها الآخر استحدث بموجب التعديلات الدستورية للعام 1990، كذلك هذه الصلاحيات جعلت من رئيس الوزراء قطباً سياسياً، وقد ترتب عن هذه الصلاحيات اعتبار النظام السياسي اللبناني من النظم البرلمانية.

ولقد جاء في نص المادة 64 من الدستور:

‌أ- يترأس مجلس الوزراء، وهذا يعني أن تعبير "مجلس الوزراء". أصبح يُطلق على جلسات هذا المجلس في حال حضور رئيس الجمهورية أو في حال غيابه. ففي الماضي كانت هذه التسمية لا تصحّ إلا حينما تُعقد الجلسة برئاسته. وكان تعبير "المجلس الوزاري" يطلق على المجلس الذي يعقد جلساته برئاسة رئيس الوزراء وغياب رئيس الجمهورية.

‌ب- يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها وعلى هذه الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها، ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة، ولا بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة الا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال.

‌ج- يطرح السياسة العامة للحكومة أمام مجلس النواب. ويوقّع مع رئيس الجمهورية جميع المراسيم، ومنها مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، ومراسيم إصدار القوانين وطلب إعادة النظر فيها، ما عدا مرسوم تسميته رئيساً للحكومة، ومرسوم قبول استقالة الحكومة واعتبارها مستقيلة.

‌د- يدعو مجلس الوزراء إلى الإنعقاد، ويضع جدول أعماله، ويُطلع رئيس الجمهورية عليه ويوقّع محاضر الجلسات.

‌ه- يتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة، ويُنسّق بين الوزراء، ويعقد جلسات عمل مع الجهات المختصة في حضور الوزير المختص، ويعطي التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل. وهذه المهمّات كان يتولاّها، قبل الطائف رئيس الجمهورية.


وجاءت وثيقة الطائف كذلك لتوسّع صلاحيات مجلس الوزراء وتُنيط به السلطة التنفيذية وتجعله، بالفعل، المركز الرئيسي لاتخاذ القرارات ووفقاً لنص المادة 65 من الدستور التي اناطت به:

‌أ- وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، ووضع مشاريع القوانين، وإصدار المراسيم، واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها، والسهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على أعمال جميع أجهزة الدولة، من ادارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وامنية بلا استثناء.

‌ب- تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم وفق القانون.

‌ج- حلّ مجلس النواب، بناء على طلب رئيس الجمهورية، في حالتين: في حال امتناع المجلس عن الاجتماع خلال عقد عادي أو طوال عقدين استثنائين متواليين لا تقل مدة كل منهماعن الشهر استثنائي لا تقل مدته عن الشهر، وفي حال ردّه الموازنة برمّتها بقصد شلّ يد الحكومة عن العمل، ولا يجوز ممارسة هذا الحق مرة ثانية للاسباب نفسها التي دعت الى حل المجلس في المرة الاولى. ولاحظ البعض هنا أن وثيقة الطائف قد أخلّت بمبدأ التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ورجّحت كفة الأولى على الثانية، لأن حق الحل المشروط بالحالتين المذكورتين نادر الحدوث في التعامل البرلماني. ولعل السب يعود إلى الظروف التي اقتضت إقرار الوثيقة من قبل النواب فقط، أو إلى الرغبة في توفير أسباب الاستقرار للسلطة التشريعية بعد وقف المعارك الدامية.


ومن الأمور المستجدّة التي استحدثتها الوثيقة: المقر الخاص لمجلس الوزراء بهدف استقلاليته والنصاب القانوني. فقد أصبح لمجلس الوزراء مقر خاص يجتمع فيه دورياً، واصبح لانعقاده واتخاذ قراراته نصاب وأكثرية. فالنصاب القانوني لانعقاده هو أكثرية ثلثي أعضائه. أما قراراته فتُتخذ بالتوافق، وإذا تعذّر ذلك فبالتصديق بأكثرية الحضور، وهناك مواضيع أساسية تستلزم موافقة ثلثي أعضائه، أهمها: الحرب، السلم، الطوارئ، المعاهدات، الموازنة العامة، تعيين موظفي الفئة الأولى في الدولة وما يعادلها، حل مجلس النواب، قوانين الأحوال الشخصية والجنسية، إقالة الوزراء، والانتخابات...

نستنتج أنه خارج طرح الثقة بالحكومة من قبل المجلس النيابي، فإن استقالة الحكومة أو إقالتها، أصبحت بعيدة عن تأثير رئيس الجمهورية، ولم يعد له من سلطة لاقالتها، بل أصبح موضوع استقالتها محدد بموجب المادة 69 من الدستور.


هكذا يتبين من هذا الدور لرئيس الحكومة، ومجلس الوزراء وما لدى كلٍّ من الفريقين من صلاحيات، ثنائية السلطة التنفيذية مقابل تقليصٍ لصلاحيات رئيس الجمهورية، ما يجعلنا أمام نظام برلماني لهذه الناحية.



3- صلاحيات مجلس النواب:

بالاضافة الى الاصلاحات السياسية الآنفة الذكر، فلقد كانت الاصلاحات والتعديلات الدستورية على مؤسسة مجلس النواب كبيرة وهامة، واكثر اهمية من الاصلاحات التي طالت بقية المؤسسات السياسية، وهذا يتوافق وينسجم مع اركان النظام البرلماني، حيث جرى تعديل مدة ولاية رئيس المجلس ونائبه بحيث اصبحت متساوية مع ولاية المجلس، كذلك تحديد وتضييق مسألة حل المجلس النيابي بتحقيق شروط من الصعوبة بمكان تحقيقها، وفقاً لما جاء في الفقرة الرابعة من المادة65، والمادة77 من الدستور، بالاضافة الى ما لمجلس النواب من صلاحية رقابية او سياسية تتمثل بمسؤلية الحكومة التضامنية ومسؤولية الوزراء الافرادية امام البرلمان وفقاً للمادة 66 من الدستور، وهذا من اهم المبادئ التي يقوم عليها النظام البرلماني. كذلك ما له من صلاحية في اجراء التحقيق البرلماني، والصلاحيات المالية في اقرار الموازنة العامة، بالاضافة الى صلاحيات اخرى، وبسبب هذه التعديلات التي اعطت ارجحية لمؤسسة مجلس النواب على بقية المؤسسات السياسية من رئاسة الحكومة الى رئاسة الجمهورية، حدت بالبعض للقول ان النظام في لبنان اخذ بالميل نحو النظام المجلسي.


في المحصلة ، وبالاضافة الى ما سبق عرضه في طبيعة النظام السياسي في لبنان، هناك مبدأ لا يقل اهمية عما سبق بيانه، الا وهو التوافق او الصيغة التوافقية التي لا بديل عنها لمؤسسات الحكم والنظام السياسي في لبنان، والا كان البديل، المقاطعة بين مكوناته السياسية منها، والحزبية، وكذلك الطائفية والمذهبية،والتي لا تنتج الا الفراغ وشل عمل المؤسسات السياسية والدستورية،وهذا ما اكدت عليه الفقرة "ي" من مقدمة الدستور اللبنانيالتي نصت على " لا شرعية لاي صيغة تناقض ميثاق العيش المشترك" التي ولدت مع الميثاق الوطني في العام 1943، وتكرست في الفقرة "ي" من مقدمة الدستور. وصيغة العيش المشترك التي اثبتت انها اقوى وافعل من كل النصوص الدستورية، هي لا تقوم الا على الحوار والتفاهم بين كافة المكونات اللبنانية ، لانه وفي كل مرة كان يقع المحظور والخطر على الكيان، كان السبيل الوحيد للخروج منه الحوار، فقط الحوار في لبنان يشكل الحل، لان لبنان لا يحكم بمؤسساته بل بالحوار، وهذا ما تؤكده التجربة السياسية اللبنانية منذ قيام الجمهورية،فميثاق 1943 الم يكن نتيجة حوار بين الزعيمين المرحوم رياض الصلح والمرحوم بشاره الخوري، وكذلك ثورة 1958، وحرب العام 1975 الم تنتهي باتفاق الطائف الذي كان نتيجة لحوار بين اللبنانين خارج لبنان،؟ كذلك اتفاق الدوحة الذي انتج انتخابات رئاسة الجمهورية وابعد شبح الفراغ، الم يكن نتيجة حوار اللبنانين خارج لبنان؟ وقبلهما حوارات جنيف ولوزان في عهد الرئيس أمين الجميل، كلها حوارات كانت خارج الوطن، الا يستحق هذا الوطن واهله حوار بين ساسته على ارضه؟ ام انهم ينتظرون دعوتهم الى بلد آخر ليرتضوا بالحوار؟ لا تنتظروا، فلم تعد دولة محط قبول جميع فرقاء السياسة في لبنان.


لبنان ايها السادة ليس وطن عادي، انه وطن صعب، يتطلب درجة عالية من الحكمة السياسية، يتطلب الحوار والتلاقي، وتوفير كل ما يغنيه ويبقيه وابعاد كل ما يشتته ويلغيه. لبنان لا يعيش اذا انقطع فيه الحوار، والانقطاع عن الحوار كالسلطة القائمة على عنف غير مسلح، والعنف غير المسلح في جوهره كالعنف المسلح، يلغي الحوار والتلاقي والارادة المشتركة في العيش المشترك ويلغي وحدة اللبنانين ويهدد الكيان والصيغة التي ولدت مع ميثاق 1943، وتكرست في الفقرة "ي" من مقدمة الدستور، لان السياسة في لبنان لا تشبه السياسة في بلدان اخرى التي تقوم على التغير المستمر، السياسة في لبنان هي اسلوب يقوم على ابقاء الامور على ماهي عليه، انه اسلوب التقوقع والتحجر والتجمد واغلاق كل منافذ الرجاء للخروج من النفق المظلم.

نعم عليكم ان تعلموا ان التجربة اللبنانية اثبتت ان عملية بناء الاوطان لا يمكن ان تتحقق دائماً بالحديد والنار وباقفال باب الحوار، بل بقبول متبادل وحوار دائم وايمان بالوطن، وليس لنا غير فن الممكن، اي ليس لنا غير الحوار، واعلموا ان لبنان في خطر، فهو يواجه ازمات شتى، ازمات الحدود والانقسامات على شتى الصعد التي باتت السمة الغالبة، فكفوا عن خوض حروب الفرط والتفرقة وخوضوا حروب الجمع بالتواضع والسلام والحوار، والا سنصل الى ازمة وجود وازمة كيان.واصبحت اي تجربة في المجتمع اللبناني، في حاضره وربما لمستقبله عتب وعبث وغضب وعنف، نعم نحن اليوم نعيش ازمة حادة وخانقة وكل فريق يخشى الآخر ولا يثق به، والحل دائماً هو التواضع والتنازل للوطن والمواطن عن طريق حوار مخلص يقدم مصالح العامة على المصالع الخاصة، فهلا اتقينا ربنا في هذا البلد الامين وشكرناه على نعمة الديمقراطية التي تتيح لنا اظهار افكارنا والتحاور بهدؤ ومسؤولية حولها ، لقد ذهبنا بعيداً في المقاطعة وعلى كل فريق يعنيه امن الوطن والكيان وصيغة العيش المشترك التي اثبتت انها اكثر قدرة من النصوص في تسيير عجلة المؤسسات السياسية والدستورية،ان يقول للفريق الآخر،الى الحوار در، والا انتظارنا سيطول لتحقيق الاصلاحات التي تؤسس لبناء وطن ومواطن تربطهما المواطنية فقط، وسيبقى لبنان ولادة ازمات وربما حروب، واول هذه الاصلاحات، نظام انتخابات قائم على النسبية، ولبنان دائرة انتخابية واحدة والغاء الطائفية، ، والا سيبقى دستورنا كما كانت عليه آلهة قريش(اللآت والعزي) التي كانت تصنع احياناً آلهة من تمر، عند جوعهم ياكلونها، وعند شبعهم يقدسونها.

تعريف بالمؤتمر
الفصل الأول: الجلسة الافتتاحية
الفقرة الأولى: كلمة العميد د. كميل حبيب
الفقرة الثانية : كلمة رئيس المجلس الدستوري د. عصام سليمان
الفقرة الثالثة: كلمة رئيس الجامعة اللبنانية د. عدنان السيد حسين
الفصل الثاني: الجلسة الاولى: طبيعة النظام السياسي اللبناني
الفقرة الأولى: مداخلة رئيس الجلسة معالي الوزير د. سليم جريصاتي
الفقرة الثانية: مداخلة د. أحلام بيضون
الفقرة الثالثة: مداخلة د. سيمون سلامة
الفقرة الرابعة: مداخلة د. صالح طليس
الفقرة الخامسة: مداخلة د. خالد الخير
الفصل الثالث:وقائع الجلسة الثانية: رئيس الجمهورية في النظام اللبناني
الفقرة الأولى: مداخلة رئيس الجلسة د. زهير شكر
الفقرة الثانية: مداخلة المحامي ميشال قليموس
الفقرة الثالثة: مداخلة د.ماري تريز عقل
الفقرة الرابعة: مداخلة د. طوني عطاالله
الفقرة الخامسة: مداخلة د. موسى ابراهيم
الفقرة السادسة: مداخلة د. حسان الأشمر
الفصل الرابع:وقائع الجلسة الثالثة: رئيس الجمهورية ومأزق الحياة السياسية
الفقرة الأولى: مداخلة رئيس الجلسة معالي د. خالد قباني
الفقرة الثانية: مداخلة د. عقل عقل
الفقرة الثالثة: مداخلة د. محمد عيسى عبدالله
الفقرة الرابعة: مداخلة د. البير رحمه
الفقرة الخامسة: مداخلة د. وسيم منصوري
الفصل الخامس: وقائع الجلسة الرابعة: رئيس الجمهورية واحتمالات الخروج من المأزق
الفقرة الأولى: مداخلة رئيس الجلسة النائب غسان مخيبر
الفقرة الثانية: مداخلة د. اوجيني تنوري
الفقرة الثالثة: مداخلة د. حسين عبيد
الفقرة الرابعة: مداخلة أ. محمد حيدر
الفقرة الخامسة: مداخلة د. جورج يزبك
الفصل السادس: مشاركات من خارج المؤتمر
الفقرة الأولى: مشاركة د. انطوان سعد
الفقرة الثانية: مشاركة د. جوزاف عيسى
الفصل السابع: خلاصة آراء المشاركين في المؤتمر
توصيات
للاتصال بالكليات
مجلة الجامعة اللبنانية
المشاريع الخارجية
شركاء
روابط مفيدة
المواصفات الفنية للتجهيزات واللوازم
بريد إلكتروني
المسؤولون عن المحتوى
مساعدة الكترونية
شروط التسجيل العامة
إنضموا الينا


جميع الحقوق محفوظة © 2024 | الجامعة اللبنانية