Legal Informatics Center
Home |
Contacts |
Int. Relations |
Bookmark |
Webmail
ع
|En
|Fr





  وقائع المؤتمر السنوي الأول:صلاحيات رئيس الجمهورية بين النص الدستوري والممارسة السياسية

الفقرة الاولى: مشاركة د. انطوان سعد
التعديلات الدستورية المقترح إجراؤها على صلاحيات رئيس الجمهورية

على الرغم من الموقع الطبيعي الذي بات يحتله رئيس الجمهورية في ظل دستور عام 1990 كحَكَم بين السلطات ، إلاّ أنّ دوره الدستوري لا يزال يشوبه بعض الثغرات التي نرى وجوب إجراء تعديلات دستورية عليها ، فيتاح للرئيس أن يقوم فعلاً بدوره انطلاقاً من موقعه كحَكَم بين السلطات وكحَامٍ للدستور ورمز لوحدة الأرض والشعب .

إن ما نقترح تعديله ليس من باب تعزيز موقع الرئيس بين السلطات الدستورية ، بل من أجل تمكينه من القيام بدوره كحَكَـمٍ فعلي بين السلطات ، وليس كمن يقتـصر دوره " كمتفرج " أو " كمشاهد " ، فلا يجوز أن يكون الرئيس ضعيفاً ولا محايداً ضمن حياد سلبياً ، بل حَكَماً قوياً وحياده إيجابي.

كما أن ما نقترحه لا يدخل ضمن إطار إعطاء الرئيس دور المعرقل لسير عمل السلطات الدستورية مثلما أظهر واقع الممارسة أحياناً هذا الأمر ، بل يجب أن يسهم دوره في تأميـن انتظـام عمـل هذه السلطـات وضبط أدائهـا ، لأن رعايتـه للدولـة يجب أن تكون رعايـة الأب الصالـح « Le bon père de famille » ، فيضع نصب عينيه رغبات الرأي العام وأمانيه ، ويحترم إرادة الأغلبية النيابية في تأمين أجواء سليمة في البلاد ، كي لا يؤدي التنافس بين الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة إلى أزمة حكم أو إلى تهديد كيان الدولة .

إن رئيس الدولة لا يتعاطى مع السلطات كطرف بينها ، كما لا يتمّ التعاطي معه على أساس أنه فريق ، لئلا يفقد موقعـه ودوره الحقيقي ، فهو يعلو كما يقول وزير العـدل ورئيس الوزراء الفرنسي الأسبق« M. Debré » فوق الأغلبيـات العابـرة « Le Président est au-dessus des majorités passagères » ، وفي موقعه كرئيس للدولة كلها يرمز إلى وحدة الدولة التي يمثلهـا ، فيستطيع ، كما يقول إدمون رباط، بحكم هذه الوضعية وإذا كان أهلاً لها أن يمارس سلطاناً معنوياً عظيماً . ولهذا فإن من أهم ما يجب العمل على تعديله في دستور عام 1990 ، ما يأتي:

1- إعطاء الرئيس حقَّ حلِّ مجلس النواب بناءً على اقتراح يقدم إليه من قِبل مجلس الوزراء ، لا سيما في حالة نشوب صراع حاد بين الحكومة ومجلس النواب ، حينئذٍ يكون للرئيس أن يقرر الموافقة أو عدم الموافقة على هذا الحل شرط أن يأتي قراره منسجماً مع تطلعات الرأي العام والمصلحة العليا للبلاد في إطار تأمين إستمرارية عمل المؤسسات الدستورية ، وبغية إنهاء الأزمـة الناشئة عن المواجهة بين الحكومة والمجلس ، فيترك للشعب أمر الفصل بينهما .

2- تفعيل حقّ الرئيس بممارسة حقه في الاعتراض على القوانيـن، لأنه قد لا يتمكن أحياناً من دراسة القوانين جيداً إذا ما أُحيلت إليه فعلاً قبل حلول مهلة الشهر لإصدارها بأيام قليلة من انقضاء هذه المهلة، إذ تعتبر القوانين نافذة ووجب نشرها بمجرد انصرام المهلة.

3- إطلاق يد الرئيس في حالة توافر الظروف الاستثنائية لكي يتمكن منفرداً من دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد بصورة استثنائية ، لأنه وكما هو معمول به حالياً بموجب دستور عام 1990 ، قد يكون رئيس مجلس الوزراء على اختلاف في الرأي مع رئيس الجمهورية فلا يتفقان على الدعوة . فإذا ما أتيح لرئيس الجمهورية أن يدعو منفرداً مجلس الوزراء إلى الانعقاد استثنائياً فإن ذلك ينسجم مع دوره كمدافع عن الدستور وحامٍ له ولمصالح الوطن والشعب ، إذ أنه بحكمته قد يرى أن هناك ظروفاً دقيقة لا تحتمل انتظار موعد انعقاد مجلس الوزراء الدوري ؛ حينئذٍ يعود لمجلس الوزراء مجتمعاً أن يوافق على الموضوع المطروح من قِبل الرئيس أو أن يرفضه من دون أن يدخل في تقدير عنصر الضرورة أو العجلة التي استدعت الدعوة الاستثنائية لمجلس الوزراء لما في ذلك من إحراج للرئيس .

4- منح الرئيس صلاحية الإعتراض على المراسيم العادية التي لا تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء، شأن المراسيم التي تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء ، على أن يصبح الرئيس ملزماً بالتوقيع عليها خلال المهلة المقررة لصدور المراسيم التي يقرُّها مجلس الوزراء ( خمسة عشر يوماً ) تحت طائلة اعتبارها نافذة بعد انقضاء هذه المهلة ، وذلك كي لا يعرقل الرئيس عمل ونشاط الوزارات والمرافق العامة( ).

5- منح الرئيس صلاحية تعيين أربعة من أعضاء المجلس الدستوري العشرة على أن ينتخب مجلس النواب ثلاثة أعضاء وتعيّن الحكومة الأعضاء الثلاثة الباقين، وذلك أسوةً بما هو حاصل في الدستور الإيطالي وفقاً لأحكام المادة /135/ منه حيث يعين الرئيس ثلث أعضاء المحكمة الدستورية وثلث أعضاء مجلس القضاء الأعلى ويترأس الرئيس هذا المجلس أيضاً بصفته القاضي الأول . وبموجب الدستور الفرنسي الحالي يعيّن الرئيس ثلث أعضاء المجلس الدستوري استناداً لأحكام المادة /56/ من الدستور الصادر في 4/10/1958 وتعديلاته .

6- تعديل نص الفقرة الرابعة من المادة /53/ من الدستور بحيث يصبح على الشكل التالي :" يتفق مع رئيس مجلس الوزراء على اختيار كل أعضاء الحكومة ، ويصدر مرسوم تشكيلها ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم". وبذلك نتفادى أي تفسير من شأنه أن يحوّر صلاحية الرئيس في المشاركة في تشكيل الحكومة دون حاجة لأن يعطى الرئيس حصة معينة تزيد عن الثلث المعطل أو الضامن أو تنقص عنه بما يتعارض ودوره الفعلي في الإسهام في اختيار كل أعضاء الحكومة ويتمحور هذا الدور في اختيار الوزراء كافة ، وفي الإعتراض على التعاون مع أي وزير يقترحه رئيس الحكومة ، إذا ما وجد رئيس الجمهورية أن هذا الوزير غير أهل لتولي المنصب الوزاري لعدم كفاءته ولعدم مناقبيته أو ربما بسبب ملاحقته قضائياً أو لكونه لا تتوافر فيه شروط الترشح للإنتخابات النيابية مثلاً .


وإذا أردنا الغوص قليلاً في مضمون بعض هذه التعديلات بالإستناد إلى الدور التحكيمي الفاعل للرئيس، ولأجل تمكينه من لعب دور الحَكَم بين السلطات كونه لا يملك تجاه السلطتين الدستوريتين سوى حق الاعتراض. ولقد انتقد الكثيرون هذا الواقع الدستوري ، حيث اعتبر البعض أنه يجب أن تكون معادلة الحل معكوسة، بمعنى وجوب إعطاء مجلس الوزراء حق اتخاذ المبادرة وترك اتخاذ القرار النهائي لرئيس الجمهورية ، مما يمكّنه من الفصل في النزاعات الكبرى الدائرة بين السلطات.

فلا يمكن للرئيس أن يكـون حَكَمـاً في نزاع دائـر بين سلطتين لا يستطيع أن يفصل فيه ، فأي حَكَمٍ هذا الذي يفصل في نزاع قرره أحد المتخاصمين ؟ وإذا ما قلنا بوجوب انتخاب الرئيس من قِبل الشعب لكي يتمكن من حل البرلمان ، فإننا نسأل هل أن مجلس الوزراء منتخب من قِبل الشعب ؟ .

لقد اعتبر« G. Burdeau » أن هذا الحق قائم في الأنظمة الملكية البرلمانية ويمارسه الملك من دون أن يكون منتخباً من قِبل الشعب . ونشير في هذا الإطار إلى أن النظام الرئاسي لا يتناسب مع واقع المجتمع اللبناني الطوائفي (كون الرئيس مارونياً، ما يجعله وطائفته متقدمين على سائر الطوائف الأمر الذي يعيدنا إلى دستور 1926 الذي اعتمد النظام الرئاسي بصورة غير مباشرة) وهذا ما قد يسبّب الصراع بين الطوائف التي ستجد أنها غير مشاركة في صنع القرار السياسي) . بالإضافة إلى عدم وجود علاقة بين هذا النظام ومنح الرئيس حق تقرير حل مجلس النواب بناءً على اقتـراح مجلس الوزراء، فيكـون مجلس الوزراء هو من يقرِّر المواجهة مع البرلمان وليس الرئيس، لكن الرئيس قد يرفض أو قد يقرر الحل فقط لحسم النزاع بينهما وتجنيب البلاد أزمة سياسية عبر الاحتكام إلى إرادة المواطنيـن الذين يختارون من خلال الانتخابـات الوقوف إلى جانب إحدى السلطتيـن . حصل هذا الأمر على سبيل المثال في النظام البرلماني الألماني ، عندما رفض الرئيس اقتراح حل البرلمان المقدم إليه من قِبل رئيس الوزراء في العام 1983.


وبعدما كانت صلاحية الرئيس مطلقة في اتخاذ قرار حل مجلس النواب على أثر تعديل الدستور اللبناني، لا سيما المادة /55/ منه بتاريخ 17/10/1927 و 8/5/1929 ، حيث لم يكن يحتـاج الرئيس إلا لقرار معلل يتخذه بموافقة مجلس الوزراء ليصدر القرار القاضي بحل مجلس النواب ولم يكن مجلس الوزراء يتجرأ على معارضة الرئيس لكونه يملك حق إقالة الوزير أو حتى الحكومة .

فإنه وبموجب تعديلات عام 1990 بات قرار الحل الذي يقترح الرئيس اتخاذه مرتبطاً باقتراحـه تعديل الدستور استناداً لأحكام المادة 77 من الدستور، بالإضافة إلى حالتين أخريين نصت عليهما الفقرة الرابعة من المادة 65 من الدستور وهما : " حـل مجلس النواب بطلب من رئيس الجمهورية إذا امتنع مجلس النـواب لغير أسباب قاهرة ، عن الاجتماع طوال عقد عادي أو طوال عقدين استثنائيين متواليين لا تقل مدة كل منهما عن الشهر ، أو في حال ردِّه الموازنة برمتها بقصد شل يد الحكومة عن العمل، ولا تجوز ممارسة هذا الحق مرة ثانية للأسباب نفسها التي دعت إلى حل المجلس في المرة الأولى".

إن الأسباب التي تدعو لحل مجلس النواب تشبه إلى حد بعيد الأسباب الواردة في النص الأساسي للمادة 55 من دستور 1926 . وإذا كانت الغاية من السماح لمجلس الوزراء بحل مجلس النواب تهدف إلى منع هذا الأخير من تعطيل الحياة الدستورية والسياسية في البلاد ، من جراء امتناعه عن الانعقاد طوال عقد عادي أو عقدين استثنائيين لا تقلُّ مدة كل منهما عن الشهر ، أو في حال رد الموازنة برمتها، وعلى الرغم من استحالة توافر مثل هذه الأسباب، إلا أن اتخـاذ قرار الحل بعد تعديل عام 1990 في حال توافرت شروطه يكون معلقاً بإرادتين: بإرادة الرئيس من جهة حيث يكون له حق اتخاذ المبادرة والطلب من مجلس الوزراء حل مجلس النواب إذا ما توافرت الشـروط الدستورية وبموافقة مجلس الوزراء من جهة ثانية إذا ما توافرت الشروط الدستوريـة أيضاً.

ومن حيث نشوء هذا الحق فقد كان الملك في بريطانيا يمارسه في القرن السابع عشر للحكم منفرداً أو لكي يؤجل انعقاد المجلس لمدة طويلة للغاية ذاتها. وبعدما باتت السيادة الوطنية تتمثل في البرلمان، بات الملك يمارس هذا الحق بمشاركة الحكومة . ثمّ بات هذا الحق يُمارس من قِبل رئيس الحكومة المسؤول أمام البرلمان، والملك هو الذي يعلن هذا القرار من دون أن يكون له حق التقرير فيه.

في فرنسا منح دستور الجمهورية الخامسة الحالي الرئيس السلطة الاستثنائية لاتخاذ قرار الحل بموجب المادة 12 منه ، حيث أن شيئاً لا يمنعه من اتخاذ قرار مماثل لأي سبب كان إذا ما تحققت الشروط الشكلية وهي عدم اتخاذ قرار الحل أثناء تطبيق أحكام المادة 16 من الدستور ، أي في حالة الظروف الاستثنائية ولدى انتهاء ولاية الرئيس وقبل تسليم الرئيس الجديد ، وفي خلال مدة سنة تلي تاريخ الانتخابات التي جرت على أساس قرار الحل . وقد أقدم الرئيس« C. De Gaulle » على اتخاذ هذا القرار في 9/10/1962 وفي 30/5/1968 وكذلك فعل الرئيس« F. Mitterrand » بتاريخ 14/5/1988( )، في حين تم استخدام هذا الحق لمرة واحدة في عهد الجمهورية الرابعة من قِبل حكومة« Faure » عام 1955. بصورة عامة ، وقد استُخدمت هذه الصلاحية في كل من النظامين البرلمانيين البريطاني والفرنسي بأشكال مختلفة .


في ظل دستور عام 1926 وفي الفترة التي تلت إستقلال لبنان عام 1943 ، حلّ الرئيس بشارة الخوري مجلس النواب للإتيان بمجلس يوافق على التمديد له متذرعاً بعدم وجوب إجراء العملية الإنتخابية في موسم الإصطياف كما أقدم الرئيس شمعون على حل المجلس في العام 1953 بحجة ضرورة تعديل القانون لتحقيق تمثيل صحيح للمواطنين ، بينما حل الرئيس شهاب المجلس مرتين ، الأولى عام 1960 بموجب قانون " التسوية " كما قيل عنه وذلك لإزالة مسببات ورواسب ثورة 1958، ومرة ثانية في العام 1964 بحجة أن الظروف العامة تستدعي ذلك لكن الهدف كان الإتيان بمجلس يؤمن إستمرارية " النهج الشهابي" ، ثم حلّ العماد عون المجلس في العام 1989 إلا أن مرسوم الحل بقيَ حبراً على ورق لعدم اقترانه بالدعوة لإجراء انتخابات مجلس بديل كما يفرض الدستور ، وقد اعتبر مجلس شورى الدولة هذا المرسوم باطل كأنه لم يكن « Caduc » . هذا فضلاً عن أن الحكومة البتراء (المؤلفة من ثلاثة وزراء مسيحيين فقط) وغير الحاصلة على ثقة المجلس النيابي ، لم تكن تتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية من الناحية الدستورية .


أما الدستور اللبناني لعام 1990 فقد جعل الرئيس شريكاً في اتخاذ مثل هذا القرار ، إلا أن هذه الشراكة تبقى ضعيفة إذا ما اعتبرنا أن هذه الصلاحية تدخل ضمن الدور التحكيمي للرئيس ، إذ أن اتخاذ مثل هذا القرار بات أمراً مستحيلاً بعد تعديلات عام 1990 . وقد تساءل الرئيس الهراوي عن سبب تقدم النائب نصري المعلوف بهذا الاقتراح في الطائف ، بعدما وجَّه إليه أكثر من مرة سؤالاً بهذا الخصوص إلا أنه لم يتلَقَّ جواباً . ويقول إدمون رزق أنه شخصياً كان مع عدم إعطاء الرئيس حق حلّ المجلس النيابي خشية افتعال فراغ كالذي حصل سنة 1988 ، وأدّى إلى تعطيل الدولة، ولولا بقاء مجلس النواب لتمّت تصفية الجمهورية. وقد أورد رزق هذا الموقف في بعض بيانات " لقاء الوثيقة والدستور " وكرّره في مواقف إعلامية.

ورأى البعض أن هذا الحق بات من الصعب ممارسته، وأن سبب إقراره بالطريقة التي أقرّ فيها يكمن في أن الحل الذي كان يعتبر سيفاً مسلطاً على رؤوس النواب يجعلهم مطواعين لرئيس الجمهورية، بدلاً من كونهم السلطة الأولى في الدولة ، لذلك جاء التعديل الدستوري لعام 1990 لينقل حالة الاختلال المفرط لصالح رئيس الجمهورية إلى حالة اختلال جديد لمصلحة البرلمان( ). فيما اعتبر البعض الآخر أن حق الحل ليس بين أيدي الحكومة ، ولا بين أيدي الرئيس بل في أيدي المجلس النيابي نفسه وفقاً لنص المادة 65 من الدستور( ). وهذا صحيح لأن المجلس الذي لا ينعقد طوال عقد عادي وآخرَيْن استثنائيْن ، يعني أنه راغب في حل نفسه بطريقة غير مباشرة . . . وفي حالة غريبة ومستهجنة جرى إقفال المجلس لمدة سنتين تقريباً (2007-2008) ، بتصرّف منفرد وتعسّفي من قِبل رئيسه .


الحقيقة أن ما أقره المشرِّع في المادة 65 من الدستور ، جاء ليحدَّ من التأثير المتبادل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، حيث باتت هذه الأخيرة مشلولـة لجهة عدم قدرتها على التأثيـر في السلطة التشريعية ، في مقابل عدم تقييد المشرِّع الدستوري حق طرح الثقة بالحكومة من قِبل السلطة التشريعية . وبعدما حصر المشرِّع الدستوري شروط حل المجلس بالحالات المنصوص عنها في المادة 65 من الدستـور ، أضعف موقع الحكومة تجاه البرلمان وجعل النظام اللبناني أقرب إلى النظام المجلسي، وولَّدَ حالة من عدم التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح الأولى، ما يقتضي إلغاء الشروط المنصوص عنها في هذه المادة ليصبح حق الحل غير مقيد بأية شروط كما هي الحال بالنسبة لحق المجلس في نزع الثقة من الحكومة ، وذلك لتدارك مسألة عدم التوازن بين السلطات لجهة تأثيرها بعضها على بعض ، ولأجل حُسن تطبيق مبادىء النظام البرلماني .


وقد قال رئيس الحكومة الأسبق ووزير العدل الفرنسي « M. Debré » في هذا الصدد وفي معرض نقاش أمام الهيئة العامة لمجلس الدولة الفرنسي: " إن الرئيس الحَكَم يقتصر دوره لدى إقرار الحل على الطلب من سلطة ثانية الفصل في هذا القرار ، وهذه السلطة هي الهيئة الناخبة التي إما أن تعاقب الحكومة فتختـار المجلس نفسه ، وإما أن تكافىء الحكومة فتختار مجلساً جديداً". لذا ، لا يمكن للرئيس أن يقف موقف المتفرج في الصراع الدائر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بل يجب أن يكون قادراً على الحسم تجنباً لوقوع البلاد في أزمة سياسية .

إن منح الرئيس هذه الصلاحية ليس فيه تكريس لمبدأ الحكم المنفرد ، بل منح موقع الرئاسة القدرة على الفصل في المنازعات الكبرى ، وإنقاذ النظام من حرب المواقع التي طالما عانى منها لبنان تحت صيغة " الترويكا " وتحديداً بين موقعي الرئاستين الثانية والثالثة . عند ذاك إذا رأت الحكومة أنها لا تستطيع أن تمارس مهامها في ظل المواجهة القائمة بينها وبين البرلمان ، فإنها تقترح اتخـاذ قرار الحل وترفعه إلى رئيس الجمهورية الذي يدرس هذا الاقتراح وينظر في مدى جديته وفي الغاية من اتخاذه، وإذا كانت الحكومة في اقتراحها تهدف فعلاً إلى تجنيب البلاد الوقوع في أزمة حكم . بناءً عليه ، فإن الرئيس يتخذ القرار استناداً إلى الدور الجديد المناط به بموجب دستور عام 1990 ، ولكن على الرئيس قبل اتخاذ هذا القرار أن يكون مدركاً المحاذير الناجمة عن اتخاذه ، إذ ينبغي عليه أن يدرس الموقف بحرص وحذر ودقة قبل الإقدام على اتخاذ قرار الحل ، لأن النتيجة يمكن أن تحرج الرئيس. لكن وبما أن الرئيس يلعب دور الحَكَم ، فإن النتيجة لن تؤثر عليه لأن حياد الرئيس يفرض عليه ممارسة هذا الحق كلما استفحل النزاع بين الحكومة والبرلمان حيث تُعتبر هذه الصلاحية قمة العمل التحكيمي الذي يقوم به الرئيس على حد ما قاله « P. Lauvaux » في هذا المجال :« La dissolution c’est la manifestation suprême de l’arbitrage du chef de l‘Etat » .

وعليه فإنه يقتضي إضافة فقرة إلى المادة /53/ فقرة 13 يكون نصها على الشكل التالي :" حلّ مجلس النواب بناء على اقتراح الحكومة، وذلك في كل مرة ينشأ نزاع حاد بينها وبين المجلس".

أما عملية تقدير الحاجة للتعديل الدستوري من أجل منح الرئيس صلاحية حل المجلس النيابي فهي تنطلق من دور الرئيس استناداً إلى ما ورد في الفقرة الأولى من المادة 49 التي ألزمت الرئيس بالسهر على احترام الدستور ،« Le Président veille au respect de la constitution » بالإضافة إلى كونه حامي الحقوق « Le protecteur des droits » ، وهو يقوم بحلّ المجلس النيابي منعاً لحصول أزمة حكم وتعطيل استمرارية المرافق العامة الأمر المرتبط بسلامة الشعب وهي السلامة والشرعة الأسمى« Salus populi suprema lex » .


أما بالنسبة للتعديلات الأخرى ، فإنه وبالإضافة إلى ضرورة الاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف لتشكيل الحكومـة ، فرض الدستور الاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء لدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد استثنائياً كلما رأى رئيس الجمهورية ذلك ضرورياً . لكن عقبة قد تقف أمام ممارسة الرئيس لهذه الصلاحية ، وأمام تلبية تأمين مستلـزمات الضرورة المستجدة ، فقد لا يتفق الرئيس مع رئيس مجلس الوزراء بوجوب إجراء هذه الدعوة . أو قد يكون لرئيس الحكومة وجهة نظر مغايرة لتلك التي لدى رئيس الجمهورية ، فلا يرى ضرورةً لهذه الدعوة . على هذا الموضوع علّق بعضهم معتبراً أنه كان من الأوفق تعديل الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور لأجل منح رئيس الجمهورية حق دعوة مجلس الوزراء استثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً من دون أن تتم هذه الدعوة بالاتفاق مع رئيس الحكومـة ، لأن الضرورة أحياناً تقضي بدعوة مجلس الوزراء من دون أن يكون رئيس الحكومـة موافقـاً على ذلك لسبب من الأسباب ، فتكون نتيجة الخلاف تعريض البلاد للهزات . وبالإمكان اتّباع آلية لحسم هذا النوع من تباين وجهات النظر بعرض الأمر (أي ضرورة الدعوة) على مجلس الوزراء واتخاذ قرار بهذا الشأن بأكثرية الثلثين. بنـاءً عليه، إذا لم يوافق رئيس الحكومـة على إجراء هذه الدعوة فإن للرئيس ولدى حضوره إلى مجلس الوزراء أن يطرح ما كان يريد طرحه في الجلسة الاستثنائية ومن خارج جدول الأعمال وأن هذه الصلاحية العائدة للرئيس تشبه إلى حد بعيد صلاحية الرئيس في طرح أي من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء ومن خارج جدول الأعمال.


إننا إذ نؤيد ما قاله د. محمد المجذوب في هذا الصدد لجهة وجوب حصر ممارسة هذه الصلاحية برئيس الجمهورية من دون موافقة رئيس مجلس الوزراء ، وذلك بسبب كونه حامياً للدستور والمدافع عن الوطن واستقلاله ، عندما يرى أن هناك ظروفاً طارئة لا تحتمل انتظار انعقاد مجلس الوزراء في موعده العادي ، له أن يوجّه دعوة إلى مجلس الوزراء للانعقاد بصورة استثنائية ، لكننـا لا نوافق على الطرح القائل بأن لمجلس الوزراء أن يقدر ما إذا كانت هنالك فعلاً ضرورة تستدعي هذا الانعقاد الاستثنائي لمجلس الوزراء ، لأن في ذلك نوعاً من الرقابة أو من الاعتراض على السلطة الاستنسابية أو التقديرية التي يمارسها الرئيس في هذا المجال ، لأنه إذا لم يجد مجلس الوزراء ضرورة لانعقاده ، بخلاف ما قدَّره الرئيس عندما دعا المجلس إلى الانعقاد استثنائياً ، فذلك قد يحرج الرئيس بصورة مباشرة ، بحيث يجب أن يحصل التصويت داخل مجلس الوزراء فقط على الموضوع الذي يطرحه الرئيس ، من دون التصويت على توافر عنصر الضرورة للإنعقاد .


وعن القول إنه إذا لم تتم هذه الدعوة فللرئيس أن يطرح ما كان يراه ضرورياً في الجلسة العادية لمجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال ، نرى أنَّ عنصر الضرورة قد ينتفي ، فيفقد الموضوع المطروح طابعه الاستنثنائي .


وقد أخذ موضوع دعوة مجلس الوزراء للانعقـاد بصورة إستثنائية نقاشـاً حاداً عندما دعـا رئيس الحكومـة فؤاد السنيورة مجلس الوزراء استثنائياً إلى الانعقاد في 25/11/2006 وأقرّ مشروع الاتفاقية المتعلّقة بإنشاء المحكمة الدولية ونظامها بموجب المرسوم رقم 2 تاريخ 25/11/2006 ( ) النافذ حكماً ، بحجة أنه لا يجوز لرئيس الحكومة منفرداً أن يدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد بصورة استثنائية وذلك على أساس أن المبادرة في الدعوة تعود إلى رئيس الجمهورية بصورة حصرية الأمر الذي يخالف أحكام الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور .


لكن في الواقع إن رئيس مجلس الوزراء بصفته هذه يملك صلاحية مطلقة في دعوته للانعقاد وفق ما نصت عليه الفقرة السادسة من المادة 64 من الدستور ، سواء بصورة استثنائيـة أو بصورة عادية ، فهو ليس مجرّد رئيس إداري لمجلس الوزراء بل هو رئيس فعلي له لا سيما أنه المسؤول عن تنفيذ السياسة العامـة التي يضعها مجلس الوزراء . وقضى العُرف بأن يدعو رئيس الحكومة مجلس الوزراء إذا ما استدعت ذلك ظروف إستثنائية ، خصوصاً إذا كان رئيس الجمهورية في تلك المرحلة يقاطع الحكومة ، معتبراً إياها غير شرعية على أثر استقالة الوزراء الشيعة منها بالإضافة إلى وزير أرثوذكسي مؤيِّد له.

بناءً عليه فإنه يقتضي منح رئيس الجمهورية صلاحية دعوة مجلس الوزراء منفرداً للإنعقاد وبصورة إستثنائية وذلك كلما وجد ضرورة وحاجة ماسة لذلك لا سيما في حالة سفر رئيس الحكومة أو غيابه ، وفي كل مرة تكون مصالح البلاد أو المواطنين مهددة بخطر محدق أو أن مقتضيات السلامة العامة تستدعي ذلك . على أن هذه الصلاحية لا يجوز أن تحجب مسألة الإتفاق مع رئيس الحكومة على هذه الدعوة بحيث يعـدّل النص الدستوري للفقرة 12 من المادة /53/ على الشكل التالي :" يدعو مجلس الوزراء إستثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً إما منفرداً، أو بالإتفاق مع رئيس الحكومة ".

وإذا ما أتيح لرئيس الجمهورية أن يدعو منفرداً مجلس الوزراء إلى الانعقاد استثنائياً فإن ذلك ينسجم مع دوره كمدافع عن الدستور وحامٍ له ولمصالح الوطن والشعب ، إذ أنه بحكمته قد يرى أن هناك ظروفاً دقيقة لا تحتمل انتظار موعد انعقاد مجلس الوزراء الأسبوعي ؛ حينئذٍ يعود لمجلس الوزراء مجتمعاً أن يوافق على الموضوع المطروح من قِبل الرئيس أو أن يرفضه من دون أن يدخل في تقدير عنصر الضرورة أو العجلة التي استدعت الدعوة الاستثنائية لانعقاد مجلس الوزراء لما في ذلك من إحراج للرئيس .


أما بالنسبة للخلل الذي يشوب التطبيق العملي للمادة 57 من الدستور حيث يعود لرئيس الجمهورية بعد اطلاع مجلس الوزراء حق طلب إعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره (وهي مهلة شهر) وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حلٍّ من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشته مرة أخرى ، وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً . وفي حال انقضاء المهلة دون إصدار القانون أو إعادته يعتبر القانون نافذاً حكماً ووجب نشره . فإن ذلك يحصل من خلال إحالة القانون إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء التي تبلِّغ رئاسة الجمهورية من دون مهلـة محددة ، بل تسري مهلة الشهر على إصدار القانون منذ تاريخ الإحالة من مجلس النواب إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء ، التي قد تتلكأ لأسباب مختلفة في إبلاغ المديرية العامة لرئاسة الجمهورية الرئيس بحيث قد تنقضي مهلة الشهر دون أن يتمكَّن الرئيس من الاطِّلاع الفعلي على القانون بصورة كافية، الأمر الذي قد يحرم الرئيس من ممارسة هذا الحق مما يقتضي تعديل المادة 56 من الدستور التي تمنح الرئيس مهلة شهر لإصدار القانون ، بحيث تسري مهلة الشهر لكي يصدر الرئيس القوانين التي أقرَّها البرلمان منذ تاريخ إحالتها على الحكومة وإيداعه فعلياً من المديرية العامة لرئاسة الجمهورية . فيصبح نص المادة /56/ على الشكل التالي: "يصدر رئيس الجمهورية القوانين التي تمت عليها الموافقة النهائية في خلال مهلة الشهر اعتباراً من تاريخ إيداع القانون لدى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية. أما القوانين التي يتخذ المجلس قراراً بوجوب استعجال إصدارها فيجب عليه أن يصدرها في خلال خمسة أيام ويطلب نشرها على أن تسري المهلة اعتباراً من إيداع القانون لدى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية".

أما بالنسبة لمنح الرئيس صلاحية تعيين بعض أعضاء المجلس الدستوري ، إذ أن ذلك يدخل أيضاً في إطار تعزيز دوره التحكيمي فيجب إضافة فقرة على المادة /53/ من الدستور على الشكل التالي :

14 - " يعين أربعة من أصل عشرة من أعضاء المجلس الدستوري " .


ولهذه الغاية يجب إضافة فقرة إلى نص المادة الثانية من القانون رقم 250/1993 والمعدل بموجب القانون رقم 650/2005 الصادر بتاريخ 4/2/2005 ويعدل نص الفقرة هذه على الشكل التالي :

" 1 – يعيّن رئيس الجمهورية أربعة أعضاء ... .

" 2 – ينتخب مجلس النواب ثلاثة أعضاء ... .

" 3 – تنتخب الحكومة ثلاثة أعضاء ... " .


نأمل في أن نكون قد عالجنا جانباً من الشوائب التي اعترت دستور عام 1990 لأن في تصحيحها تصحيح لدور الرئيس الحَكَم لا الحاكـم ، الراعي لا الآمر ، رئيس لدولة لا رئيس سلطة حكم حيادي لا طرف ، حياده إيجابي لا سلبي ، دوره فاعل وتوافقي لا تعطيلي .


تعريف بالمؤتمر
الفصل الأول: الجلسة الافتتاحية
الفقرة الأولى: كلمة العميد د. كميل حبيب
الفقرة الثانية : كلمة رئيس المجلس الدستوري د. عصام سليمان
الفقرة الثالثة: كلمة رئيس الجامعة اللبنانية د. عدنان السيد حسين
الفصل الثاني: الجلسة الاولى: طبيعة النظام السياسي اللبناني
الفقرة الأولى: مداخلة رئيس الجلسة معالي الوزير د. سليم جريصاتي
الفقرة الثانية: مداخلة د. أحلام بيضون
الفقرة الثالثة: مداخلة د. سيمون سلامة
الفقرة الرابعة: مداخلة د. صالح طليس
الفقرة الخامسة: مداخلة د. خالد الخير
الفصل الثالث:وقائع الجلسة الثانية: رئيس الجمهورية في النظام اللبناني
الفقرة الأولى: مداخلة رئيس الجلسة د. زهير شكر
الفقرة الثانية: مداخلة المحامي ميشال قليموس
الفقرة الثالثة: مداخلة د.ماري تريز عقل
الفقرة الرابعة: مداخلة د. طوني عطاالله
الفقرة الخامسة: مداخلة د. موسى ابراهيم
الفقرة السادسة: مداخلة د. حسان الأشمر
الفصل الرابع:وقائع الجلسة الثالثة: رئيس الجمهورية ومأزق الحياة السياسية
الفقرة الأولى: مداخلة رئيس الجلسة معالي د. خالد قباني
الفقرة الثانية: مداخلة د. عقل عقل
الفقرة الثالثة: مداخلة د. محمد عيسى عبدالله
الفقرة الرابعة: مداخلة د. البير رحمه
الفقرة الخامسة: مداخلة د. وسيم منصوري
الفصل الخامس: وقائع الجلسة الرابعة: رئيس الجمهورية واحتمالات الخروج من المأزق
الفقرة الأولى: مداخلة رئيس الجلسة النائب غسان مخيبر
الفقرة الثانية: مداخلة د. اوجيني تنوري
الفقرة الثالثة: مداخلة د. حسين عبيد
الفقرة الرابعة: مداخلة أ. محمد حيدر
الفقرة الخامسة: مداخلة د. جورج يزبك
الفصل السادس: مشاركات من خارج المؤتمر
الفقرة الأولى: مشاركة د. انطوان سعد
الفقرة الثانية: مشاركة د. جوزاف عيسى
الفصل السابع: خلاصة آراء المشاركين في المؤتمر
توصيات
Contact Faculties
LU Magazine
External Projects
Partners
Useful Links
Technical specification for equipments
Webmail
Webmasters
Internet and IT Support
Admissions
Join Us


All rights reserved © Copyright 2024 | Lebanese University